النُّورْسِيّ: إن قرار إعدام الظالمين هي بِمثابةِ جوازِ سفرٍ للرحلة إلى العالَم الأبدي

حادثة ذات عبرة

وقع بديع الزمان في الحرب العالمية الأولى أسيرًا بيد الروس فاقتادوه مع سائر الأسرى إلى «وان»، فـ«جُلْفا»([1])، فـ«تفليس»([2])، فـ«كولوغريف»([3])، وصولًا إلى «كوسْتْروما»([4]).

ونُقِل بعدها إلى معسكر الأسرى، وهناك جَرَتْ حادثةٌ تستحق التقدير، وهي أن القائد العام الروسي جاء يومًا إلى المعسكر في زيارةٍ يطَّلع فيها على أحوال الأسرى، فلم يؤدِّ له بديعُ الزمان التحيَّة، ولم يقم من مكانه، فانزعج القائد، ثم عاد فمرَّ من أمامه ثانيةً ظانًّا أنه ربما لم يعرفه، فلما لم يقم له بديع الزمان في المرة الثانية، خاطبه بواسطة مترجم:

القائد: أما عَرَفني؟!

بديع الزمان: بلى، أعرفه؛ إنه «نيقولا نيقولافيتش».

القائد: إنه بعمله هذا يوجِّه إهانةً للجيش الروسي، وبالتالي يوجِّه الإهانة للقيصر.

بديع الزمان: أنا لم أوجِّه إهانة، أنا عالِمٌ مسلم، ومن كان مؤمنًا بالله كان أعلى رتبةً من الجاهل به، فلهذا لا أقوم لك.

أُحيل بديع الزمان بسبب هذا على المحكمة العسكرية، فرجاه بعضُ رفقائه الضباط أن يتقدم باعتذارٍ من فوره كي يجتنب العاقبة الوخيمة، إلا أنه قال بكلِّ عزةٍ وشجاعةٍ غيرَ مبالٍ بشيء:

إن قرار الإعدام من هؤلاء هو بِمثابةِ جوازِ سفرٍ للرحلة إلى العالَم الأبدي.

وفي نهاية الأمر حُكِم عليه بالإعدام، فلما حان وقت تنفيذ الحكم طَلب الإذن للصلاة، وقال لهم: متى أديتُ فريضةَ ديني كشفتُ لكم عن صدري لتطلقوا عليه الرصاص؛ وبينما كان يؤدي الصلاة إذْ تقدَّم القائد الروسي نحوَه وقال له معتذرًا: لقد تبيَّن لي أن تصرفكم ذاك إنما كان نابعًا من تمسُّككم بمقدَّساتكم، فأرجو أن تسامحوني؛ وأسقَط حكم الإعدام الصادرَ بحقه.

سيرة بديع الزمان سعيد النورسي

([1]) مدينةٌ تقع في أقصى جنوبيِّ أرمينيا على الحدود مع إيران؛ هـ ت.

([2]) مدينةٌ فتحها المسلمون زمن عثمان رضي الله عنه، وهي اليوم عاصمة جورجيا، وتُعرَف بـ«تِبْليسي»؛ هـ ت.

([3]) مدينةٌ تقع في قلب روسيا إلى الشَّمال الشرقيِّ من موسكو، وتبعد عنها نحو سبعمئة كيلومترًا؛ هـ ت.

([4]) مدينةٌ تقع في قلب روسيا إلى الشَّمال الشرقيِّ من موسكو، وتبعد عنها نحو ثلاثمئةٍ وخمسين كيلومترًا؛ هـ ت.

2526 مرة

نفس المواد


Bir cevap yazın

E-posta hesabınız yayımlanmayacak.