ما هو الفرق بين طلاب النور في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي

مقالةٌ للأستاذ عيسى عبد القادر محرر صحيفة الدفاع الصادرة ببغداد

كتب الأستاذ عيسى عبد القادر بحثاً عن طلاب رسائل النور نشرته الصحيفة المذكورة، وجاء فيه[1]:

ما العلاقة بين طلاب النور بتركية وبين جماعة الإخوان المسلمين؟ وما وجه التشابه والاختلاف بينهما؟ وهل طلاب النور بتركية جماعةٌ تعمل للاتحاد الإسلامي كجماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في مصر والبلاد العربية؟ وهل هم منهم؟ أجيبُ عن هذا فأقول:

على الرغم من أن كُلّاً من طلاب النور والإخوان المسلمين يسعون لخدمة الحقائق القرآنية والإيمانية، وتحقيق سعادة المسلمين الدنيوية والأخروية، والعمل لقيام اتحاد العالَم الإسلامي، إلا أن طلاب النور يختلفون عن الإخوان المسلمين في خمسِ نقاطٍ أو ست:

الفرق الأول: أن طلاب النور لا يشتغلون بالسياسة، بل يفرون منها، فإن اضطروا إليها جعلوها أداةً للدين، إظهاراً لقدسيته في مواجهة مَن جعلوا السياسة أداةً للادينية؛ على أنهم ليسوا جمعيةً سياسيةً بحالٍ من الأحوال.

أما الإخوان المسلمون فإنهم يشتغلون بالسياسة لصالح الدين وفق ظروف بلادهم، وهم بطبيعة الحال يُشكِّلون جمعيةً سياسية.

الفرق الثانـي: أنه ليس من عادة طلاب النور الاجتماع بأستاذهم، وليسوا مضطرين لذلك، بل لا يشعرون بالحاجة للأمر، وكذلك لا يرون ضرورةً للاجتماع معاً لتلقي الدروس، وإنما يرون أن كل مكانٍ هو بمثابة مدرسةٍ نورية، وبمجردِ تَوفُّر رسائل النور تغدو كل رسالةٍ منها بمثابة «سعيدٍ نُوْرْسِيٍّ» يعلِّمهم.

ثم إنهم يجتهدون ما استطاعوا في نسخ الرسائل حسبةً لوجه الله دون مقابل، ويقدمونها لمن يحتاجها دون مقابلٍ كذلك، وذلك بغية أن يقرأها أو تُقرأ عليه، وبذلك تغدو البلد بأجمعها مدرسةً كبرى.

أما الإخوان المسلمون فيذهبون إلى مراكزهم العامة للقاء مرشدهم وقياداتهم وأخذ الدروس والتوجيهات منهم، كما يلتقون في الفروع والشُّعَب بالشخصيات المهمة التي تقوم مقام المرشد ونوابِه، ويتلقون منهم الدروس والتوجيهات.

ومن جهةٍ أخرى يشترون المنشورات والمجلات الصادرة عن مركز الجماعة ويجعلونها أحد مصادر تعلمهم.

الفرق الثالث: أن طلاب النور يتلقون علومهم ودروسهم من خلال تبادل رسائل النور والمؤلفات العلمية فيما بينهم، وهم في هذا أشبه بطلاب جامعةٍ أو معهدٍ عال، فتصبح المدينة أو المحافظة الواحدة بمثابة مدرسةٍ كبرى يتلقون فيها دروس العلم رغم تباعد الأمكنة من غير أن يتلاقوا أو يتعارفوا.

أما الإخوان المسلمون فتسمح لهم أوضاع بلادهم بإصدار الكتب والمجلات، ونشرها في أقطار الأرض، وبذلك يتاح لهم التعارف والتواصل فيما بينهم على أوسع نطاق.

الفرق الرابع: ينتشر طلاب النور بكثرةٍ في معظم البلاد الإسلامية هذه الأيام، ومع أن لكل بلدٍ من هذه البلاد أنظمتها وسياساتها الخاصة بها، إلا أنهم ليسوا مضطرين للحصول على إذنٍ من حكومات هذه البلاد للقيام باجتماعاتهم ونشاطاتهم، إذْ لا وجود للسياسة أو الحزبية في مسلكهم.

أما الإخوان المسلمون فهم لعلاقتهم بالسياسة، ولكونهم تجمُّعًا، ولحاجتهم لافتتاح المراكز والشُّعَب، مضطرون للحصول على إذنٍ وترخيصٍ من حكوماتهم خلافاً لطلاب النور، وعلى هذا الأساس فتحوا شُعَبًا كثيرةً في سورية ولبنان وفلسطين والأردن والسودان والمغرب والعراق فضلاً عن مركزهم العام في مصر.

الفرق الخامس: أنك تجد طلاب النور أناسًا من شتى طبقات المجتمع، من الرجال والنساء، ومن الصغار أبناء الثامنة والتاسعة الذين بدؤوا لتوِّهم تعلُّم القرآن في المساجد، إلى الشيوخ الذين بلغوا الثمانين والتسعين، ومن الحمّال من أبناء القرى إلى النائب في البرلمان، ومن الجندي البسيط إلى الضابط الكبير؛ ومقصد هؤلاء جميعًا على تنوعهم وتفاوتهم: الاهتداء بهدي القرآن، والتنور بحقائق الإيمان، أما عملهم وشغلهم الشاغل فهو نشر العلم والعرفان والحقائق الإيمانية، ولا يُعرَف لهم اشتغالٌ بشيءٍ سوى هذا.

ولقد ظلت ويلات المحاكم ومكائد الخصوم تلاحقهم ثمانية وعشرين سنةً، لكنها عجزت عن إدانتهم أو تفريق شملهم، إذْ لم يُعثَر لهم على غايةٍ سوى القيام بهذه الخدمة القدسية؛ ثم إنهم لا يجدون أنفسهم مضطرين للعمل على تكثير جمعهم أو حشد مؤيدين لهم، بل يقولون: «إن وظيفتنا خدمة الإيمان لا البحث عن أتباع، فمن طلبنا وجدَنا»؛ وهم لا يولون أهميةً للكمية، بل يفضِّلون رجلاً واحداً متحقِّقاً بالإخلاص على مئةٍ سواه.

أما الإخوان المسلمون فهم وإن كانوا يلتقون مع طلاب النور في حثِّ الناس على تحصيل العلوم والمعارف الإسلامية، والتمسك بالحقائق الإيمانية، إلا أنهم لصلتهم بالسياسة يولون أهميةً للكمية وتكثير الجموع، ويبحثون عن الأنصار والأتباع.

الفرق السادس: بالإضافة إلى أن طلاب النور المتحققين بالإخلاص لا يولون أهمية للمنافع المادية، فإن كثيراً منهم يتحلون بالاقتصاد والقناعة، والصبر والاستغناء عن الناس، ويتجرَّدون بدرجةٍ ما عن مكاسب الحياة الاجتماعية رغم قلة ذات اليد، وذلك ليتفرغوا للخدمة القرآنية بتضحيةٍ وإخلاص، ولئلا تشوبَ دعوتَهم إلى الحقيقة والإخلاص شائبةٌ من مخالفة القولِ العملَ، ولئلا تكون هذه الخدمة القدسية وسيلةً لغايةٍ سوى نيل مرضاة الله تعالى.

أما الإخوان المسلمون فمع أنهم يشتركون مع طلاب النور في ماهية المقصد إلا أنهم باعتبار ظروفهم ومحيطهم لا يمكنهم ترك الدنيا كما يفعل طلاب النور، ولا يرون أنفسهم مضطرين للتحقق بهذه التضحية القصوى.

عيسى عبد القادر

من كتاب السيرة الذاتية للأستاذ سعيد النورسي

[1]  المقال في أصله مكتوبٌ بالعربية في الخمسينات من القرن الماضي، وقد تُرجِم في هذا الكتاب إلى التركية، ثم ترجمناه إلى العربية لعدم توفر الأصل؛ (هيئة الترجمة في مؤسسة وقف الخدمة).

9435 مرة

نفس المواد


4 thoughts on “ما هو الفرق بين طلاب النور في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي

  1. السلام.عليكم،
    اريد سؤالكم هل لديكم افرع للمدرسة في اسطنبول واين العنوان ان وجدت؟

    1. هناك الكثير من مدارس النورس منتشرة في شتى مناحي إسطنبول

    1. لا ليس لها علاقة إنما اسمها من مؤلفات الأستاذ النورسي: كليات رسائل النور.
      كما ورد في أحد مؤلفات:
      فاسم قريته: «نُورْس»، واسم أمه: «نُوْريَّة»، واسم أستاذه القادري: «نور الدين»، واسم أستاذه النقشبندي: «سيِّد نور محمَّد»، ومن أساتذته في القرآن: «الحافظ نوري»؛ وإمامه الخاصُّ في الخدمة القرآنيَّة «ذو النُّورين ﭬ»، كما أن آية النور التي نوَّرَت فكره وقلبه، والتَّمثيلاتِ النُّوريَّةَ الرفيعةَ التي غدَت وسيلةً لبيان المسائل المعضِلة، وتسمية مجموع رسائله بـ«رسائل النور».. كلُّ هذا يؤيد أنَّ اسم «النور» هو الاسم الأعظم في حقِّه.

Bir cevap yazın

E-posta hesabınız yayımlanmayacak.