أصدر طلاب بديع الزمان سعيد النورسي في تركية بياناً يستنكر ما تقوم به حركة فتح الله كولن من أعمالٍ تستغل الدين لأغراضٍ سياسية، وتستهدف الحكومة الشرعية الحالية، وتهدِّد أمنَ البلاد واستقرارها.
وأوضح البيان أن المنهج الذي خَطَّه الأستاذ النورسي لطلاب رسائل النور إنما يقوم على العمل الإيجابي البنَّاء، ويحرص كلَّ الحرص على تأدية خدمةِ الإيمان والقرآن خالصةً لوجه الله تعالى، بعيداً عن أيَّةِ شائبةٍ من شوائب المآرب الشخصية والمصالح الدنيوية والتحزُّبات السياسية.
ورفض البيان ما وقع من خلطٍ لدى الرأي العام بين طلاب النور وبين حركة فتح الله كولن، منوِّهاً إلى أنه لا علاقة لطلاب النور بهذه الحركة.
وفيما يلي نصُّ البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن طلابُ بديع الزمان سعيد النورسي -مؤلِّفِ رسائل النور ومؤسسِ خدمتها- وتلاميذُه الذين تلقَّوا على يديه أصولَ خدمةِ الإيمان والقرآن.. شعرنا بضرورةِ أن نبين للرأي العام ما يلي:
أولاً: إن أهمَّ أساسٍ في خدمةِ رسائل النور ركَّزَ عليه مليَّاً الأستاذ بديع الزمان ووجَّهَنا نحن وسائرَ طلاب النور لمراعاته بعنايةٍ فائقة هو أن هذه الخدمة إنما هي خدمةُ الإيمان فحسب، ولا شيء سوى ذلك؛ وقد ذُكِر هذا الأمر مراراً وتكراراً في الكثير من الرسائل، منها ما جاء في ملحق أميرداغ:
“لا شك أن طلاب النور من أمثالكم يعرفون أن رسائل النور لا يمكن أن تكون أداةً لأيِّ شيء، أو وسيلةً لأيِّ مقصدٍ سوى الرضا الإلهي، وأنها إنما تعمل لتعليم حقائق الإيمان أولاً وقبل كلِّ شيء، ولإنقاذِ إيمانِ الضعفاءِ المساكين الواقعين في الشبهات“.
وإزاء هذه الحقيقة نَوَدُّ أن نبيِّن للرأي العام ما يلي:
إن الأساس الذي إن فُقِد فُقِد معه مسلكُ رسائل النور، وإنْ ضُحِّيَ به لم تَبْقَ خدمةُ رسائل النور هو: تقديمُ خدمةِ الإيمان للناس من خلال رسائل النور بغضِّ النظر عن أي تحيُّزٍ أو تحزُّب، ودون مراعاةِ أيَّةِ مصلحةٍ خاصة، والعملُ على صَونِ إيمان المحتاجين إلى حقائق الإيمان وحفظُه من شتى المخاطر والأوهام والوساوس والشبهات، وعدمُ انتظار أيِّ مقابلٍ لهذه الخدمة مادياً كان أو معنوياً.
ثانياً: بالرغم من أن ماهيةَ خدمةِ رسائل النور وغايتَها إنما هي خدمة الإيمان ليس إلا، ومع أنه لا حاجة لمزيدِ إيضاحٍ حول ضرورةِ اجتنابِ أيِّ سلوكٍ من شأنه أن يُعَدَّ تحيُّزاً أو تحزُّباً لفعالياتٍ تقع خارج دائرة خدمة رسائل النور، إلا أن الأستاذ بديع الزمان كان كثيراً ما يذكِّر بهذا الأمر في العديد من رسائله ومدافعاته، منها ما جاء في إحدى رسائله:
“لا ينبغي أن يُنظَر إلى مَن يأتي إلى درس الإيمان بمنظار التحزُّب، إذْ لا فرق في الدرس بين عدوٍّ وصديقٍ؛ والحالُ أن التحزُّب السياسي يخدش هذا المعنى ويُفسِد الإخلاص، ولأجل هذا لم يَجعل طلابُ النور رسائلَ النور أداةً لشيء، ولم يمدُّوا أيديَهم إلى هراوة السياسة، ولقد تحمَّلوا في سبيل ذلك صنوفاً من الأذى والشدائد عزَّ نظيرها”.
وفي العبارات التالية يبين الأستاذ بكلِّ وضوحٍ لِمَ يَلزَم القائمين بخدمة الإيمان أن يبتعدوا عن التيارات الخارجية، فيقول:
“إن من الدساتير الأساسية لتلاميذ رسائل النور عدم التدخُّل ما أمكنهم في السياسة وشؤون إدارة الدولة وإجراءات الحكومة؛ لأن قيامهم بخدمة القرآن بإخلاصٍ تكفيهم وتغنيهم عن كلِّ شيء.
ثم إنه ليس بمقدورِ مَن يدخلون في السياسة اليوم أن يحافظوا على استقلاليتهم وإخلاصهم مع وجود تياراتٍ قويَّةٍ مسيطرة؛ إذْ لا بد أنْ يستغلَّهم تيارٌ ما ويوجِّهَهم لصالحه، ويجعلَهم أداةً لتحقيقِ مقاصده الدنيوية، ويُفسِدَ خدمتهم القدسية.
فضلاً عن أن الذين تركوا الدينَ لأجل الدنيا أو جعلوه أداةً لها، سيظنون عندئذٍ أن حقائق القرآن القدسية التي ليستْ أداةً لشيء قد صارت أداةً للدعاية السياسية؛ هذا مع أن جميع طبقات الشعب –سواءٌ منهم المؤيِّد والمعارض، وسواءٌ منهم الموظَّف والعاميُّ- محتاجون إلى تلك الحقائق ولهم منها نصيب؛ فلأجل هذا كان على تلاميذ النور أن لا يتدخلوا في شيءٍ من السياسة والصراع المادي كي يبقوا على الحياد التام”.
ولا ريبَ أن خدمة الوطن والشعب والإسلام عن طريق السياسة مسألةٌ لا يمكن إهمالُها، غير أن ماهيَّةَ تيارِ الإيمان الذي يقدِّم خدمته للجميع على حدٍّ سواءٍ مختلفةٌ تمام الاختلاف عن الخدمة المؤدَّاة بطريق السياسة؛ ولأجل ذلك فإن القيام بأنشطةٍ من قبيلِ ممارسةِ أنشطةٍ سياسيةٍ باسم جماعة النور، والدخولِ في مساوماتٍ مع الأحزاب السياسية، وتشكيلِ أذرعٍ ضمن الدولة، والسعيِ للحصولِ على صلاحياتٍ في السلطة، إنما يتعارض تعارضاً تاماً مع رسائل النور وخدمةِ الإيمان والقرآن؛ وإن طلاب رسائل النور لَينظرون إلى مثل هذه الأنشطة على أنها مُفسِدةٌ للخدمة القدسية التي ورِثوها عن أستاذهم.
وفي السياق نفسه فإن من أهمِّ الدساتير والأسس التي تلقَّاها طلاب النور عن أستاذهم: المحافظةُ على السلطة الشرعية القائمة على رأس عملِها بانتخابِ الشعب، واجتنابُ التصرُّفات التي من شأنها الإخلالُ بأمن البلاد واستقرارها؛ غير أنهم لم يجعلوا يوماً ما هذه الدساتير أداةً للمصالح، ولم يستجلبوا بها تحزُّباً، ومن هنا كان آخر درسٍ لقَّنه الأستاذ لطلابه قبل وفاته، ووضَّح لهم به العملَ الأساسي الذي ينبغي عليهم القيام به أنْ قال لهم:
“إخواني الأعزاء.. إن وظيفتنا العملُ الإيجابيُّ البَنَّاء لا السلبي الهدَّام، والقيامُ بالخدمة الإيمانية المحضة ابتغاء الرضا الإلهي، وعدمُ التدخُّل في الشؤون الإلهية، إننا مكلَّفون بالصبر والشكر إزاء جميع الشدائد التي نلاقيها في خدمة الإيمان البنَّاءة المؤدِّيةِ إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار”.
ثالثاً: إن منهج خدمة الإيمان –كماهيَّتِها- بعيدٌ كلَّ البعد عما أَلِفه الناس واعتادوه في السياسة المخادِعة، فالصدق الذي هو أساس الإيمان هو أهم أساسٍ في خدمة الإيمان، ولا يمكن للكذب والافتراء والنفاق والحيلة وأمثالها من الأفعال والأساليب أن يتجاور يوماً ما مع خدمة الإيمان؛ وقد أكَّد الأستاذ بديع الزمان أن الطريق ينبغي أن تُبنى على الصدق والاستقامة، فقد سُئِل في محاورةٍ له: ما أوَّلُ ما يلزمُنا قبل كلِّ شيء؟ فأجاب:
– الاستقامة.
* ثم ماذا؟
– اجتنابُ الكذب.
* ثم ماذا؟
– الصدق، والإخلاص، والوفاء، والثبات، والتسانُد.
* فقط؟
– نعم.
* لماذا؟
– لأن ماهية الكفر: الكذب؛ وماهيةَ الإيمان: الصدق؛ أفلا يكفي برهاناً أنَّ بقاءَ حياتنا رهنٌ بدوام الإيمان والصدق والتسانُد.
ولقد صرَّح في إحدى مدافعاته مبيِّناً الفرقَ الأساسي على مستوى المنهج بين خدمة رسائل النور وبين النشاطات الأخرى فقال: “إنه لا علاقة لنا بأيٍّ من الجمعيات والمنظمات الدنيوية أو السياسية أو التآمريَّة، وإننا لَنربأ بأنفسنا عنها”.
رابعاً: يوضِّح الأستاذ بديع الزمان في مذكَّرةٍ له إحدى أخطرِ نتائجِ التحزُّب السياسي فيقول:
“إن حقيقةَ الحديث الشريف القائل:“المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً“ هي إحدى دساتير الحياة الاجتماعية للإسلام؛ بمعنى: التسانُد التامِّ في مواجهةِ عدوانِ العدو الخارجي ونسيان العداوة الداخلية؛ حتى إن أشدَّ الأقوام بداوةً قد وَعَوا فائدةَ هذا الدستور، فتجدهم إذا ما دَهَمَهم عدوٌّ من الخارج نسُوا ما بينهم من عداوةٍ أُريقَتْ فيها دماء آبائهم وإخوانهم، وتسانَدوا لدفع عدوِّهم الخارجي.
وإنا لنقول بكلِّ أسف: إنه نتيجةً للفكرِ المتحزِّب في الداخل الآتي من الأنانية وحبِّ الذات والغرور ومن السياسة اللئيمة باتت تظهَرُ حوادثُ من قبيل أن يترحَّم أحدهم على مَن يوافقه وإن كان شيطاناً، ويَلعَنُ مَن يخالفه وإن كان مَلَكاً؛ حتى لقد شاهدتُ عالِماً صالحاً يغتابُ عالِماً صالحاً كبيراً لدرجةِ تكفيره لمجرَّدِ أنه يخالفه في الفكر السياسي، ويثني بحرارةٍ على زنديقٍ يعادي الإسلام لمجرَّدِ أنه متحزِّبٌ له يوافقه الفكر؛ فتركتُ السياسة منذ خمسٍ وثلاثين سنةً كمن يَفِرُّ من الشيطان“.
ولأجلِ هذا السبب يقِف طلابُ بديع الزمان –كما وقف أستاذُهم- بعيداً عن التحزُّبات السياسية، ويُبدون أعظم الحذر لئلا يُتوهَّم منهم أيُّةُ شبهةِ تحزُّبٍ سياسيٍّ في خدمة الإيمان والقرآن.
خامساً: نحن طلابُ رسائل النور نتلقى مبادئ الخدمة التي نؤديها من رسائل النور -التي مصدرُها القرآن والسنة- ومن مؤلِّفِ الرسائل الأستاذِ بديع الزمان، أما التأويلاتُ الشخصية التي يتأوَّلُها أيُّ شخص –مهما كان موقعه أو مقامه المادي أو المعنوي، ومهما كانت شهرتُه أو صِيتُه- فلا تُعَدُّ مقياساً لدى طلاب النور.
إن تخطِّيَ رسائلِ النور وتجاوزَها لأشدِّ المراحل التي عاشتْها بلادُنا والعالَمُ بأسره، وبلوغَها موقعَها المرموق التي هي عليه اليوم، إنما كان نتيجةَ دساتيرِ الخدمة التي عَمِل بديع الزمان جاهداً للمحافظة عليها بعنايةٍ فائقة؛ وإلا فلو أُجرِيَ شيءٌ من التعديل والتغيير في أسلوب الخدمة وفقاً لشروط الزمان والمكان، لَـمَا بقي اليوم شيءٌ مما يسمَّى “خدمة رسائل النور”.
سادساً: إن بعضَ التطورات التي وقعتْ في الآونة الأخيرة وساءتْنا، والتي كان من نتائجها الخلطُ بين رسائلِ النور وبين بعضِ الحركات ذات الطابعِ السياسي البعيدةِ كلَّ البُعد عن مشربِ خدمة النور الصافي، وكان من نتائجها كذلك وضعُ خدمةِ الإيمانِ موضعَ التُهمة بسبب هذه الحركات السلبية الهدَّامة، قد اضطرتْنا –نحن طلابَ رسائل النور– إلى بيانِ أنه لا علاقةَ لطلابِ رسائلِ النور مطلقاً بأيٍّ من هذه الحركات والنشاطات، وبأنَّ هذا النوع من المفاهيم الرديئة لا يَمُتُّ لرسائل النور بأيَّةِ صِلة.
هذا ما نوضِّحه مع التقدير لأمَّتِنا العزيزة.
عبد الله يگين، حسني بَيْرم أوغلو، صالح أوزجان، محمد فِرِنْجي، عبد القادر بادلِّي