الحبُّ في السياسة والبغض للسياسة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبدًا دائمًا

إخواني الأعزاء الأوفياء..

حَذَارِ حَذَارِ من تيارات الدنيا خصوصًا تيارات السياسة, وبالأخص منها التيارات المرتبطة بالخارج، أنْ تلقي بكم في مهاوي التفرقة, أو تُذْهِبَ ريحَكم وتُشَتِّت شملكم أمام فِرَق الضلالة المتحدة ضدكم, أو تُشْرِككم في جريمتها معنويًّا بأن تُظهِروا الرضا عن ظُلمها نتيجة التحزب والانحياز، فتأخذوا بالدستور الشيطاني:

الحبُّ في السياسة والبغض للسياسة

بدلًا من الدستور الرحماني:

الحبُّ في الله والبغض في الله!!

فتُعادوا أخا حقيقةٍ أشبهَ بالمَلَك، وتوالوا رفيقَ سياسةٍ أشبهَ بالشيطان الخنَّاس.
أجل, فالسياسة في هذا الزمان تفسد القلوب وتُلقي الأرواح القلِقة في العذاب, فمن أراد سلامة القلب وراحة الروح فليترك السياسة.
نعم, فكل إنسانٍ على وجه الكرة الأرضية اليوم مشتَّتٌ مضطربٌ يعاني نصيبًا من عذاب المصيبة النازلة، ويقاسيه إما قلبًا وإما روحًا وإما عقلًا وإما بدنًا, لاسيما أهل الضلالة وأهل الغفلة, فإنهم لجهلهم بالرحمة الإلهية العامة والحكمة السُّبحانية التامة, ولعلاقتهم بنوع البشر نتيجةَ الرِّقَّة الموجودة في جنسهم, يقاسون الآلامَ الشديدة الرهيبة للنوع البشري اليوم فضلًا عن آلامهم هُم؛ ذلك أنهم تركوا وظائفَهم الحقيقية وألزمَ أعمالهم من غير موجبٍ لذلك, وأرعَوا سمعهم للصراعات السياسية والآفاقية, والحوادث الجارية في العالم, وتدخلوا فيها على سبيل الفضول والاشتغال بما لا يعني، حتى غدت أرواحهم حائرة, وعقولهم هاذِرة.
فحرَموا أنفسَهم حقَّ الشفقة وأهليةَ الرحمة وفقًا للقاعدة الأساسية القائلة: «الراضي بالضرر لا يُنْظَر له»، أي من رضي الضرر لنفسه لم يُشْفَق عليه, فلا يُشْفَق عليهم ولا يُرثى لحالهم, إذ هم مَن جلبوا المصائب لأنفسهم من غير داعٍ لذلك.
وأحسب أنه لم يحافظ أحدٌ على سلامة قلبه وراحة روحه ولم ينقذها من نيران الحريق وأهوال العواصف التي تشهدها الكرة الأرضية سوى أهل الإيمان وأهل التوكل والرضا الحقيقيين, ولهذا كان الداخلون إلى دائرة رسائل النور بالتزامٍ وثباتٍ أكثرَ الناس إنقاذًا لأنفسهم, لأنهم ينظرون بنورِ دروس الإيمان التحقيقي التي تلقَّوها من رسائل النور، وينظرون بعينها، فيرون في كل شيءٍ وجهَ الرحمة الإلهية وأثرَها, ويشاهدون في كل شيءٍ كمالَ حكمتها وجمال عدالتها, ويقابلون المصائب الآتية من إجراءات الربوبية الإلهية بالرضا والتسليم مبتسمين، ويُظهِرون الرضا, ولا يُقدِّمون شفقتهم على الرحمة الإلهية فيقاسوا العذاب والألم.

وبناءً على هذه الحقيقة, فمن أراد السعادة واللذة لا في الحياة الأخروية فحسب, بل في الحياة الدنيا كذلك، أمكنه أن يجدها، بل وجدها في دروس رسائل النور الإيمانية والقرآنية كما برهَنَتْ على هذا تجاربُ لا تُحد.

سعيد النُّورْسِيّ

سيرة بديع الزمان بلسانه وأقلام تلامذته

Bir yanıt yazın

E-posta adresiniz yayınlanmayacak. Gerekli alanlar * ile işaretlenmişlerdir